محمد العجاتي
جريدة القاهرة
10 مارس 2015
في الثالثة من عمري قررت امي ارسالي للحضانة التي تعمل فيها ابنة جارة جدتي كمدرسة موسيقي، اصطحبتني أمي في اليوم الأول لمنزل استاذتي باعتباره قريب من بيتنا لتأخذني معها لدار الحضانة، تجاوزنا منزل جدتي في الدور الأول وصعدنا للدور الثاني، انفتح الباب من الجارة العجوز، ومع أولى خطواتي رأيت مدرستي الجديدة تجلس خلف الباب الزجاجي تحرك اصابعها على البيانو، كنت قد رأيت البيانو من قبل، لكنها كانت المرة الأولى التي أرى أحدا يعزف عليه، لم اكن اسمع الصوت بسبب الباب الزجاجي، وفي عقلي الصغير تساءلت لماذا تحرك اصابعها بشكل غير منظم لماذا تنتقل من طرف البيانو لطرف اخر، لماذا لا تسير بخط منتظم؟ مع فتح الباب ووصول الموسيقى لأذني أدركت وإن كنت لم افهم جيدا بسبب عامل السن أن هذه الحركة غير المنظمة ليست عشوائية وأنما مخططة لتصدر هذا الصوت الساحر، الذي جعل هذه القصة في ذاكرتي حتى الآن رغم حداثة سني. هذا الشعور ذاته هو ما اصابني وأنا اقراء رواية ربيع جابر أو ثلاثية “بيروت مدينة العالم” ينتقل بين الأزمنة والأمكنة ويعود ويذهب بينهم ليمنح لقارئه متعه لم تكن لتتوفر ولو سار بشكل تاريخي منتظم أو اتخذ من الخيط المكاني محور لبنائه الدرامي. من يقرأ هذه الثلاثية يدرك أ ن ربيع جابر يعزف على أوتار الزمان والمكان ليروي لنا تاريخ مدينه من خلال تاريخ عائلة عبد الجواد أحمد التاجر ذو الذراع الواحدة الذي هرب من الشام إلي بيروت ليشارك في تأسيس هذه المدينة. هذا التنقل يجعل من زار بيروت قبل الرواية ويعود لزيارتها بعدها يعيد اكتشاف المدينة خاصة منطقة وسط المدينة الذي أعاد الحريري بناءه بعد الحرب الأهلية، وأفقدته سطوة رأس المال ملامحه التاريخية ووظيفته الاجتماعية الرئيسية. من يقرأ ربيع جابر في ثلاثية بيروت يكتشف أن الادب يمكن ان يكون عزفا وليس فقط كتابتا. اقرأ المزيد…