شباك

واقف ليه في الشباك؟ مستني اليوم الجاي.. يمكن يسقينا الشاي، يمكن يعطينا الناي

أهالي سيناء بين حقوق المواطنة وضروريات الأمن القومي

محمد العجاتي

دراسة مقدمة لمركز البحوث والدراسات السياسية بجامعة القاهرة في المؤتمر السنوي الرابع و العشرون

ديسمبر 2010

مقدمة :سيناء في الإستراتيجية والسياسة:

لا يوجد خلاف بين كل التقارير التي تناولت سيناء على أهميتها الاقتصادية والإستراتيجية، حتى عند الحديث عن عبقرية المكان التي قال بها جمال حمدان عن مصر كلها، فإن سيناء وحدها تكفي للوصف،‏ وبدون الدخول في كثير من التفاصيل فإن شبه الجزيرة التي تبلغ مساحتها‏61‏ ألف كيلومتر مربع يمكنها عند الاستغلال الإنساني الرشيد أن تنتج مثل ثلاث دول كإسرائيل، ودولتين مثل هولندا، ‏و‏12‏ دولة مثل البحرين، وعشر دول مثل سنغافورة،‏ وأكثر من كل ذلك قدر دبي، ‏ بل إن فيها ما يفوق كل هذه الدول والإمارات العامرة بثروات الاتصال البحري ومنافذ التجارة، وتنوع المناخ، والثروات الطبيعية، ومصادر الطاقة‏[1].‏

إذا تم وضع المدخل الشمالي الشرقي لسيناء تحت عدسة مكبرة، فسوف يتضح أن مثلث  سيناء هو العقدة التي تصل إفريقيا بآسيا ، وأن المثلث الشمالي منها، والذي يحده جنوباً الخط من السويس إلى رفح تقريباً، هو حلقة الوصل المباشرة بين مصر والشام. وبمزيد من التحديد، فان المستطيل القاعدي الشمالي، الواقع إلى الشمال من دائرة عرض 30ْ تقريباً، هو إقليم الحركة والمرور والوصل، في حين أن المثلث الجنوبي أسفل هذا الخط، هو منطقة العزلة والفصل. الأول يحمل شرايين الحركة المحورية والحبل السري بين القارتين، والثاني هو منطقة الطرد والالتجاء التي آوت إليها بعض العناصر المستضعفة أو المضطهدة .

          ولما كان طريق الخطر الخارجي البري إلى مصر هو الشام أساساً ، وكانت سيناء تحتل النقطة الحرجة بين ضلعي الشام ومصر اللذين يكونان وحدة إستراتيجية واحدة، أصبحت سيناء “طريق الحرب” بالدرجة الأولى، لأنها معبر أرضي، وجسر استراتيجي معلق أو موطأً، عبرت عليه الجيوش منذ فجر التاريخ عشرات – وربما حرفياً مئات – المرات جيئة وذهاباً. (تحتمس الثالث وحده عبر سيناء 17 مـرة خلال غزواته)[2].

وفي التاريخ الحديث ظهرت إسرائيل على حدودنا الشمالية الشرقية لتتحول سيناء إلى منطقة الصراع العسكري الأساسية أو المباشرة ولتكن كذلك أحد مطامع الدولة الصهيونية، وبالتالي منطقة غاية في الأهمية للأمن القومي المصري.

أولا: التركيبة السكانية لسيناء:

شبه جزيرة سيناء مقسمة إداريا إلى محافظتين، شمال سيناء وعاصمتها العريش، وجنوب سيناء وعاصمتها الطور، ويبلغ تعداد سكانها في حدود 380 ألف نسمة.

طبيعة السكان في جنوب سيناء:

تدل الآثار التي خلفها الفراعنة في العصور القديمة أن سكان سيناء كانوا من أصل سامي وعرف سكان جنوب سيناء باسم (موثيتو) كما ذكرتهم التوراة في تاريخ مرور بني إسرائيل بالعمالقة.

وفى أوائل القرن السادس الميلادي عرفوا باسم الأعراب بنو إسماعيل، وفى أوائل القرن السابع ظهر الإسلام في شبه الجزيرة العربية وفتح المسلمون شبه جزيرة سيناء فتغلبوا على سكانها الأصليين وسكنوها.

وأقدم القبائل الأصليين التي بقي لها أثر بعد الفتح الإسلامي هم الحماضة والتمنة والمواطرة في جنوب سيناء، وقد دخلوا في حمى الفاتحين واتخذوا لغتهم وديانتهم وعادتهم وإن ظلوا بعيدين عنهم لا يتزوجونهم ولا يتزوجون منهم ولا يقيمون حربا عليهم.
فقبيلة الحماضة تعرف بأنهم كانوا أسياد البلاد قبل الصوالحة ويقيمون في حديقة فيران، وهم الآن قلة ودخلوا في حمى العليقات.
قبيلة التنمة وهم من سكان حديقة فيران الأصليين ومازالوا يزرعون أرضها. قبيلة المواطرة ويسكنون حديقة الحمام قرب مدينة طور سيناء ويعيشون على الزراعة والنخيل وهم كالتمنة ويقال أنهم من أصل واحد ولعلهم بقية نصارى فيران وهم الآن في حمى الصوالحة، وكثيرا ما امتدت حدود هذه المنطقة للتداخل مع منطقة غزة.

العرب المسلمون

كانت هناك أكثر من 75 قبيلة في نجد والحجاز في وقت واحد بعد الفتح الإسلامي ولم يستقروا بها كثيرا وهاجروا إلى مصر وسكنوها في محافظة الشرقية واستقروا بسيناء الصوالحة والعليقات.

وبعودة سيناء بعد اتفاق السلام عام 1979 …. زاد عدد السكان الوافدين إليها من وادي النيل، ولم تقتصر الحياة بها على السكان البدو، وبذلك نجد أن سكان جنوب سيناء الحاليين من عنصرين:

1-    السكان الأصليون (البدو) ويمثلون المجتمع البدوي بكل خصائصه.

2-    المهاجرون من أبناء الوادي وهم العاملون بالجهاز الإداري وفي مجال الصناعة والتعدين وفي مجال السياحة[3]

تتركز المجتمعات السكانية في سيناء في مناطق:

العريش[4]

مدينة العريش عاصمة محافظة شمال سيناء وأكبر مدنها تقوم أصلاً على أنقاض مدينة مصرية قديمة كانت تدعى “رويوكلورا” أي مجدوع الأنف نسبة إلى العقوبة التي كان يفرضها المصريون القدماء وهي قطع الأنف بالنسبة للعصاة من سكان المدينة. وتقع المدينة المذكورة على ساحل البحر الأبيض المتوسط باتجاه الشرق عند نهاية وادي العريش وفي اتجاه مصبه عند البحر. وأكثر أهالي مدينة العريش عدداً عائلات الفواخرية ولهم 6 قراريط، فالأغوات ولهم 4 قراريط، فأولاد سليمان لهم 3 قراريط، فالكشاف ولهم أيضا 3 قراريط، ثم الشوربجي ولهم قيراطان، والسلايمة ولهم قيراطان، وآل عروج ولهم قيراطان، والصقلية ولهم قيراطان.

ويعتمد أبناء حاضرة العريش في موارد عيشهم بالدرجة الأولى على التجارة وبعض منهم على الزراعة، كما يعتمد رهط غير قليل من أبناء المدينة على حرفة صيد الأسماك سواء من ساحل البحر الأبيض أو بحيرتي البردويل والزرانيق وهناك مجال اقتصادي آخر ألا وهو قطاع المقاولات والتشييد الذي بدؤه في العريش حتى انتهوا به في “القاهرة”. كما أن هناك رهط كبير من أبناء المدينة يعملون بالوظائف المختلفة نتيجة لارتفاع المستوى الثقافي بالمدينة.

مدينة الطور

وهي مدينة في أقصى الجنوب من سيناء وبها سكان مسلمون ومسيحيون ويوجد بها “محجر الطور” الذي كان يمكث فيه حُجاج البواخر فترة الحجر الصحي عقب العودة من الأراضي الحجازية. ثم توجد بعد ذلك عدة مدن كالشيخ زويد ورفح وبئر العبد والشط شرقي قناة السويس مقابل مدينة السويس، رغم أنها جميعا تمثل أقسام بالمحافظة إلا أن سكانها تمثل جميعا من البدو الحضريين بين حدودها المترامية. كما توجد عدة مدن فاخرة للعاملين بشركات البترول والتعدين وكلها في الجزء الجنوبي من سيناء بمحاذاة خليج السويس مثل مدينة “سدر” الشركة العامة للبترول ومدينة “أبو رديس” الشركة الشرقية للبترول ومدينة “أبو زنيمة” شركة سيناء للمنجنيز.

بادية سيناء:-

لقد عُرفت القبيلة وهي إحدى وحدات البادية السياسية والاجتماعية منذ زمن بعيد ورغم بعدها عن مواطن المدينة والتحضر مجموعة من النظم والسلوكيات والعادات والتقاليد مما تعارف عليها مجتمعنا وما زالت تحكمه حتى اليوم فقها وقضاء وتشريعا واقتصادا، حتى كانت القبيلة وفي مواقعها البعيدة عن المدينة حيث توجد السلطة والنظم والقوانين وإلى وقت قريب نموذجا مصغرا لإحدى وحدات الدولة.

قبائل وسط سيناء

 يطلق على “قبائل وسط سيناء” لقب “قبائل التيه” وهي المنطقة التي تاه فيها اليهود 40 عاماً، كما ورد في القرآن الكريم. وهم:

  1. قبيلة التياها:

أجمع الباحثون على أن قبيلة التياها يعود أغلب عشائرها إلى ظعن سليمان العنود الذي تخلف عن بني هلال في أواخر القرن الرابع الهجري ثم سكن بلاد التيه في سيناء فنسب أولاده إلى التيه فسموا تياها على مر الزمن، وقيل رأي آخر أنهم سُموا تياها لأن أجدادهم الأوائل تاهوا في وادي سدر بسيناء.

ولها فروع في جنوب سوريا وبئر السبع في فلسطين وفي الأردن. وأهم عشائر هذه القبيلة هي: العوامرة، والنوافعة، والرهانية، والبريكات، والقديرات.

2.  قبيلة الترابين

أجمع المحققون والباحثون في هذا القرن وأيده ما تواتر عند شيوخ الترابين أن أصل القبيلة يعود إلى البقوم ومن المعروف أن البقوم من الأزد القحطانية، ويذكر الرواة أن أجدادهم نزلوا من وادي تَرَبة وهو من وديان البقوم حتى الآن في المملكة العربية السعودية وسكنوا جنوب سيناء في بلاد الطور فغلب عليهم اسم الوادي أو البلاد التي انحدروا منها فسموا ترابين، ووادي تَرَابة أو بلدة تربة تقع جنوب شرق الطائف.

والظاهر أن أجداد الترابين قد بدأوا في سيناء فتكاثروا وانتشروا فيها ثم نزح معظمهم فيما بعد ذلك إلى فلسطين، وما زالت الأكثرية في فلسطين، وقد رجح الباحثون أن أجداد الترابين بدأوا في سيناء في أوائل القرن الثامن الهجري.

3. قبيلة الأحيوات

تنقسم هذه القبيلة إلى قسمين: قسم يسكن سيناء والقسم الأكبر يسكن في الضفة الشرقية لنهر الأردن.

ويقال أن هذه القبيلة وقبيلة المساعيد من أصل واحد حيث إنهما ينتسبان إلى بني عطية المساعيد المنتسبين إلى مسعود بن هانئ. وقد دار بينهم وبين بني عقبة قتال شديد في الماضي. وتتمركز هذه القبيلة شرق بلاد التياهة وغربها. وأشهر مراكزها جبل المغارة والجفجافة والتمد وعين سدر. وأهم عشائرها: النجمات، والصفايحة، والخواطرة، والسلاميين، والغراقيين، والكردقة، والحمدات.

4. قبيلة الحويطات

هي قبيلة كبيرة ولها امتداد بالحجاز وشرق الأردن، كما لها امتداد داخل وادي النيل بمحافظة القليوبية. وتتمركز هذه القبيلة في بئر مبعوق وبئر المرة وبئر ووادي الراحة وعين سدر في وادي سدر. وأهم عشائرها: حويطات مبعوق، وحويطات وادي المشاوخ، وقرعان، الجبور، والدبور، والعبيات، والسدايدة في وادي النيل.

ما تواتر عندهم وقد تناقلوه من أجدادهم وأسلافهم، أن جدهم الأول “حويط” مؤسس قبيلة الحويطات من مدة خمسة قرون ونصف القرن تقريباً، وأنه ينتمي إلى أشراف الحجاز بنواحي المدينة المنورة.

قبائل شمال سيناء منها:

يطلق عليهم قبائل بلاد العريش، وهم:

1. قبيلة السواركة

          جمع الرواة من كبار قبيلة السواركة في شمال سيناء وقد أكده في هذا القرن بعض الباحثين في مصنفاتهم مثل نعوم شقير في تاريخ سيناء وعارف العارف في تاريخ بئر السبع في أن أصل السواركة يعود إلى العدنانية وهم من ذرية الصحابي الجليل عكاشة بن محصن بن حرثان من بني غنم أحد بطون بني أسد العدنانية الشهيرة، وهو أسد بن خُزيمة بن مدركة بن إلياس مُضَر بن نزار بن معد بن عدنان. وهي من أكبر قبائل سيناء وتسكن ضواحي العريش، وتمتد حتى منطقة الشيخ زويد شمالاً والمطار غرباً.

2. قبيلة الرميلات

          أكد الرواة من القبيلة في رفح شمالي سيناء أن الرميلات  من القطيفات وقد كان مسكنهم في بلدة القطيف في بلاد الأحساء بالمنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية، ثم رحلوا إلى بلاد الشام وسكنوا في ظانا بجنوب الأردن، ثم انتقلوا إلى منطقة غزة واستقروا في القرارة  ثم نزحوا إلى رفح بعد  حروبهم مع الترابين.

 3. قبيلة البياضية

          ذكر القلشندي في قلائد الجمان: إن البياضية بطن من طيئ القحطانية، وهو طيئ بن أدد بن زيد يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. ولهذه القبيلة امتداد بمحافظة الشرقية في مراكز أبو حماد شرقية، وأبو كبير، وبلبيس. كما أن لها  امتداد بأرض الحجاز. ويسمونهم هناك “بني حرب” وقد ساهم أفراد هذه القبيلة في المجهود الحربي إبان حرب 1967 مما دفع إسرائيل إلى هدم وإحراق منازل كثيرة لهذه القبيلة.

4. قبيلة المساعيد

هي فرع من قبيلة الأحيوات التي تسكن وسط سيناء. وهم أقوى قبائل العريش بعد السواركة. تسكن هذه القبيلة شرق القنطرة ولها امتداد بالحجاز[5].

يلاحظ مما سبق أن التركيبة السكانية للإقليم تمثل عنصر تواصل بين مصر بمناطقها الجغرافية المختلفة وبلاد المشرق العربي، ومثلت هذه القبائل على مر التاريخ حلقة الوصل هذه سواء عن طريق التجارة أو الهجرات أو عمليات التصاهر بينهم، فالقبيلة أصبحت تمتد جنوبا إلى داخل مصر وشمالا نحو دول المشرق العربي. وإن كنا في مصر دائما ما نقول بتاريخ الدولة المركزية المصرية وحدودها فإن مقولة افتعال الحدود عن طريق الاستعمار التي يتم طرحها في باقي دول المنطقة قد تكون لها وجاهتها في حالة هذه الحدود التي تقع شمال شرق مصر، و انقسام الأسر ما بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية خير دليل.

ثانيا: سيناء التطور من الاستقلال حتى تفجيرات شرم الشيخ:

منذ تحرير سيناء والحديث حول تنميتها والخطط الخاصة بذلك، إلا أنه حتى الآن لم يبلغ ما تم تنفيذه من خطط ما لا يزيد عن‏21%، ومازلنا نضيف تقارير أخرى تعطينا آمالا أكبر، ومعرفة أفضل، ‏لكنها في النهاية تضاف إلى ما سبقها في انتظار مناسبة أخرى؟ والاجتهاد في الإجابة عن السؤال كثيرا ما ركز على مجموعة من الحقائق الأساسية يقع في مقدمتها ضعف البنية الأساسية والمرافق الضرورية التي تصل سيناء بالوادي، وتوفر القاعدة للانتقال السكاني،‏ والبناء الصناعي‏.‏ ولم تكن هناك صدفة أن تقرير مجلس الشورى الأخير، ‏كما كان الحال في كل التقارير السابقة، ‏أعطى أهمية خاصة للظروف الأمنية الإقليمية كسبب في تأخر التنمية في سيناء، وطالب في الوقت نفسه الدولة، أو الحكومة في الواقع،‏ بتطوير البنية الأساسية، والمزيد من المشروعات العملاقة، والاستفادة الأكبر من مشروع ترعة السلام‏[6].‏

تجدر الإشارة هنا إلى أن أول تبني للدولة لمشروع تنموي في سيناء جاء في عام 1994، أي بعد مرور 12 عام كاملة على «تحرير سيناء». في ذلك العام ظهر المشروع القومي لتنمية سيناء، بعد طول انتظار، على أجندة النظام وكان من المفترض أن يوفر عائد يقدر بـ69 مليار جنيه وأن يساعد في توطين 2.3 مليون سيناوي بالشمال. بحسب الخطة الموضوعة حينها، كان يتعين على القطاع الخاص أن يتولى مهمة إعمار سيناء وإنعاشها اقتصاديا بتقديم 36 مليار جنيه، وهو ما لم يحدث بالتأكيد، بينما تساهم الدولة بـ 2 مليار فقط! ما حدث في الواقع هو ضخ استثمارات بالبلايين لإقامة مشاريع سياحية –منتجعات وقرى وفنادق– تجعل من بدو سيناء مقدمين للقهوة والشاي البدويين، وفي أحسن الأحوال المأكولات، أو رعاة للخيل والجمال التي يمتطيها السائحين.

على الرغم من أن هذه المنطقة قد حظيت باهتمام واضح حيث أجريت ومنذ عام‏1973، العديد من الدراسات والمخططات آخرها المشروع القومي لتنمية سيناء والذي استهدف تنفيذ البنية الأساسية والمشروعات في مختلف القطاعات التنموية وما يلزمها من عمران يستوعب نحو‏3.5‏ مليون نسمة،‏ إلا أنه وبعد ما يقرب من‏40‏ عاما لم يتحقق ما كانت تهدف إليه هذه المخططات حيث لم يزد عدد السكان في الوقت الراهن علي‏400‏ ألف نسمة وهو لا يمثل إلا نحو‏10%‏ من عدد السكان المستهدف‏.‏ كما تعثر وتأخر تنفيذ العديد من مشروعات التنمية المخططة على سبيل المثال مشروع ترعة الشيخ جابر ومشروع وادي التكنولوجيا ومشروع فحم المغارة والعديد من المشروعات الصناعية والتعدينية في وسط وجنوب سيناء‏.‏ وتركزت التنمية في الشريط الساحلي للبحر المتوسط وخليجي العقبة والسويس والمشروعات الزراعية والسياحية والصناعية‏، وهو ما ينطوي على مخاطر تفريغ وسط سيناء حيث الممرات الحاكمة‏(متلا والجدي‏).‏

على الرغم مما يبدو من نقص الموارد في وسط سيناء‏،‏ وفي ضوء العديد من الدراسات التي قامت بها مؤسسات الدولة المختلفة مثل مركز بحوث الصحراء ووزارة الري ووزارة الإسكان ووزارة البيئة وهيئة البترول والمساحة الجيولوجية‏..‏ إلخ‏،‏ إلا أن هذه المنطقة تضم موارد المياه الجوفية الذي يقدر مخزونها بنحو‏150‏ مليار متر وبها تساقط مطري يمكن استغلاله في الزراعة المطرية في مجاري الوديان وفي تنمية المراعي الطبيعية‏،‏ وموارد أرضية من النوع الغريني تتركز في مجاري الوديان وتقدر مساحتها بنصف مليون فدان‏،‏ وثروة نباتية تضم العديد من النباتات الطبية والعطرية واسعة الانتشار في سفوح الجبال وفي مجاري الوديان‏،‏ فضلا عن ذلك‏،‏ فإن هذه المنطقة تضم خامات من مواد البناء والحجر الجيري والطفلة ورمل الزجاج والفحم وأحجار الزينة وشواهد لخامات الحديد والبترول‏..‏ إلخ‏.‏ يضاف إلى موارد وسط سيناء الطبيعية ما تتميز به المنطقة من طقس معتدل وتضاريس مما يجعلها جاذبة للنشاط السياحي‏(‏ السياحة الجبلية والسياحة الدينية‏)‏ حيث جبل الحلال وهو من جبال المناجاة مع وجود عين الجديرات وهضبة التيه وقلعة الجندي ودرب الحاج[7]‏.

استنادا إلى القليل المتوافر بتقرير التنمية البشرية لعام 2005 نجد أن 21% من بدو شمال سيناء يعيشون بلا أنابيب مياه نقية وصرف صحي. أما بالنسبة لباقي سكان الشمال، بحسب تصريحات محافظ شمال سيناء اللواء أحمد عبد الحميد لجريدة الوفد بتاريخ 30 إبريل الماضي، «مياه الشرب 3 أيام موجودة و3 أيام مش موجودة، تتجاوز الظروف المعيشية لبدو سيناء حدود مسؤولية الأفراد. وبمقارنة الأوضاع في جنوب سيناء، حيث منتجعات (شرم الشيخ ودهب والغردقة) بشمالها، حيث البدو المصريين، فيما يخص نسبة الوحدات الصحية إلى عدد السكان: توجد 21 وحدة صحية لكل 100 ألف مواطن بالجنوب، بينما لا يتجاوز عدد الوحدات الصحية لنفس العدد 4,5 وحدة صحية بالشمال. وفي الوقت الذي تصل فيه نسبة المتسربين من التعليم الابتدائي والإعدادي بالجنوب إلى 7,5%، تزيد النسبة عن 66% في الشمال[8].

كما زاد تجريد البدو من أراضيهم ومصادرتها بهدف بيعها للمستثمرين على طبق من فضة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، قامت وكالة التطوير السياحي بإزالة سبع مخيمات للبدو من على وجه الأرض من أجل إقامة «الريفييرا المصرية» بالجنوب. فالدولة اكتفت ببناء الطرق وأنها كانت قد بدأت بإنشاء بعض المدارس وكليتين، هما كلية تربية وكلية زراعة. لكن كل ذلك توقف تماما لصالح إنشاء مدارس ومعاهد خاصة، تستهدف جذب الناس من خارج سيناء إليها، مثل جامعة سيناء الخاصة، أما فيما يخص حجم المتضررين من بدو سيناء من عدم اعتراف الدولة بملكيتهم لبيوتهم ومزارعهم، فجميع بدو سيناء متضررين والاستثناء الوحيد في الشمال هي أرض مشروع أسمنت وسط سيناء، المصنع الذي يقوم بتصدير الأسمنت لإسرائيل، وأرضه المملوكة لأحد رجال لجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم »[9].

ثالثا: الاحتقان في سيناء:

تشير بعض التقارير إلى أنه رغم أن البدو قد رفضوا القبول بالجنسية الإسرائيلية طوال سنوات الاحتلال من 1967-1982، يصر النظام على التعامل مع البدو باعتبارهم مصدر لعدم الأمن على الحدود المصرية فلا يحق للمواطن السيناوي الالتحاق بكلية الشرطة أو الكلية الحربية. أما تقاليد البدو في اختيار شيوخهم -التي أدت في وقت مضى إلى ظهور زعماء تصدوا لمحاولات العدو الإسرائيلي في إجهاض حق مصر في سيناء- فقد أصر النظام على إقصائها، بجعل الموافقة الأمنية الشرط الرئيسي لتقلد شيخ القبيلة لمنصبه[10].

على الرغم من غياب التنمية والطريقة غير العادلة التي يعاني منها أهل سيناء إلا أن سيناء ظلت آمنة إلى حد كبير لفترة طويلة بما فيها مطلع التسعينات التي شهدت أعمال إرهابية في مناطق عديدة في مصر، ولم تدخل  سيناء في هذه الدوامة إلا مع حلول 2004 ففي 8 أكتوبر 2004م شهدت تفجيرات إرهابية بطابا، تلاها في 23 يوليو 2005م  تفجيرات إرهابية بشرم الشيخ. وأخرى في  24 أبريل 2006م ثلاثة  تفجيرات إرهابية بمدينة دهب. ثم في  26أبريل 2006م تفجيران إرهابيان بالقرب من مطار الجورة يسفر عن مصرع منفذي العملية فقط.

ثم بسبب التعامل الأمني العنيف وهو ما سنتطرق إليه لاحقا بالإضافة إلى غياب التنمية ما لبس أن تحولت هذه الأحداث الفردية إلى حالة احتقان عام بين أهالي سيناء وتطورت الأحداث لتأخذ منحى المواجهات بين الأهالي والأمن ففي:

25 أبريل 2007م تم إطلاق النار من كمين شرطي على سيارة نصف نقل لا تحمل لوحات معدنية وقد توفي سائق السيارة والمرافق وقد تبع هذا اعتصام على الحدود الدولية في اليوم التالي بقرية المهدية برفح والتهديد بالنزوح للجانب الآخر إذا لم تستجب الحكومة لمطالبهم وقد تم فك الاعتصام وإعطاء مهلة حتى أول يوليو لتلبية المطالب (العفو عن المعتقلين – تغيير بعض القيادات الأمنية). وفي 30 يوليو 2007م شهدت منطقة الماسورة في رفح احتجاجا على قرار هدم البيوت الملاصقة للحدود لمسافة 150م والمطالبة بجدولة ديون بنك التنمية والائتمان الزراعي وتوفير فرص العمل للشباب وإعطاء تصاريح للصيد في البحر والعفو عن المعتقلين في السجون. وكذلك كانت هناك تظاهرات في 6-7  أكتوبر 2007بمدينة العريش إثر خلاف بين عائلة الفواخرية وعشيرة سحابين من قبيلة الترابين يسفر عن تحطيم مقر الحزب الوطني وواجهات المجلس الشعبي المحلى للمحافظة ومجلس المدينة ومقر كلية التربية بالعريش.

وكذلك في 11 نوفمبر 2008 كانت هناك مظاهرة بنجع شبانة واحتجاز ضابط برتبة عميد من قوات الأمن المركزي وعشرون جندياً بالمدفونة على الحدود الشرقية إثر إطلاق الرصاص في اليوم السابق من كمين للشرطة في المنطقة ما بين الحسنة وبغداد يسفر عن مقتل أحد البدو وإصابة الآخر من قبيلة الترابين [11].

واستمر التوتر بين الشرطة والبدو في شهر سبتمبر 2008 بعد أن شاركت عشرات الشاحنات الصغيرة يستقلها مئات البدو في مسيرات احتجاجية طافت مناطق رفح والمهدية والجورة و البرث احتجاجا على اعتقال الشرطة لعدد من البدو لدواعي أمنية. وطالبوا بالإفراج عن اثنين من أبناء عشيرة المنايعة المعتقلين هما عيسى أحمد المنيعي وحسين حسن المنيعي اللذان تم اعتقالهما بدون أسباب، وأشعل البدو خلال احتجاجاتهم الإطارات المطاطية وأقاموا متاريس من الحجارة على الطريق الإسفلتي المؤدي إلى القرية. ويقول البدو أنه يتم اعتقالهم دون توجيه أي تهم واضحة لهم وأن لهم مطالب خاصة بالإفراج عن كل المعتقلين وأنه يجب أن توقف الشرطة عمليات الدهم التي تتم ضدهم. وفي أكتوبر من نفس العام جرح بدو مسلحون بمنطقة الشيخ زويد التابعة لمحافظة شمال سيناء  ضابط شرطة بعد إطلاق بالرصاص عليه خلال حملة أمنية  قامت بها أجهزة الأمن بالمحافظة للقبض على عدد من المتهمين الهاربين من تنفيذ أحكام قضائية.

وكانت المواجهات الأعنف بين الجانبين في نوفمبر 2008 حيث تظاهر المئات من بدو سيناء بقرية نجع شبانة قرب الحدود المصرية/الإسرائيلية احتجاجا على مقتل بدوي وإصابة آخر برصاص الشرطة المصرية خلال مطاردة أمنية وأشعل البدو النيران في الإطارات المطاطية وأقاموا متاريس من الحجارة على طريق تستخدمه القوات الدولية.

وفي أبريل 2009 اعتصم عشرات البدو مطالبين الشرطة بالإفراج عن معتقليهم والبدء في تنفيذ مطالبهم الخاصة بتحسين أحوالهم المعيشية. وهددوا بالعودة إلى الاعتصامات والاحتجاجات السلمية إذا لم تفرج الشرطة عن عدد من أبنائهم الذين تم اعتقالهم منذ المصادمات التي وقعت بين البدو والشرطة. ودعا البدو إلى عقد مؤتمر موسع في شهر أبريل من نفس العام يتواكب مع الذكرى السابعة والعشرين للتحرير بعد أن ماطلت السلطات المصرية في تنفيذ مطالبهم التي سبق أن وعدتهم بها.
وقتل بدويا في شهر مايو من نفس العام في تبادل لإطلاق الرصاص بين رجال الشرطة وبدو عند حاجز أمني بسيناء. [12]
ونعرض هنا لدراستي حالة، الأولى متعلقة بآثار التعامل الأمني بعد العمليات الإرهابية على ساكني سيناء والثانية مرتبطة بحالة الاحتقان سالفة الذكر.

  1. 2.     تداعيات أحداث شرم الشيخ- نموذج العريش:

هجمات شرم الشيخ 2005 كانت سلسلة من الهجمات الإرهابية المتزامنة في 23 يوليو 2005. استهدفت المنتجع المصري الهادئ جنوب شبه جزيرة سيناء المصرية، حيث توفي جراء هذه الهجمات ثمانية وثمانون (88) شخصاً معظمهم مصريون، وجرح ما يزيد عن المائتين (200) ، قامت في وقتها أجهزة الأمن المصرية باعتقال عدد من المصريين بينهم بعض السكان المحليين من بدو سيناء، حيث قيل أن البعض منهم قاموا بتقديم تسهيلات لمن قاموا بالتفجيرات، كما قام محافظ جنوب سيناء ببناء سياج أسلاك عازلة خارج حدود المدينة لمنع التسلل إليها.

معظم القتلى والجرحى كانوا من المصريين إضافة إلى 11 بريطاني، 6 إيطاليين، ألمانيان، 4 أتراك، تشيكي واحد، وواحد من عرب إسرائيل، وأمريكي. الإصابات الأخرى من القتلى والمصابين كانت لزوار أجانب من فرنسا، أوكرانيا، هولندا، أسبانيا، روسيا، الكويت، قطر، فضلا عن المصريين من الزوار والمقيمين.

مجموعة أسمت نفسها كتائب عبد الله عزام تابعة لتنظيم القاعدة أول من أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم الإرهابي وذلك على موقع إليكتروني وعنونت ذلك بقولها (المجاهدون استهدفوا فندق غزالة جاردنز والسوق القديمة في شرم الشيخ) كما اعترفت بصلاتها بالقاعدة. الحكومة المصرية أعلنت أن من قاموا بالتفجيرات هم مسلحون من البدو من ذات المجموعة التي قامت بتفجيرات طابا قبل عام سابق وعزلت وزارة الداخلية المصرية المسئولين والقادة الأمنيين في محافظتي شمال وجنوب سيناء وقتئذ.[13]

توترت العلاقات بين الشرطة والبدو منذ عام 2004 على الأقل عندما اعتقلت الشرطة الآلاف من السكان المحليين لاحتمال وجود صلة بينهم وبين الجماعة التي فجرت المنتجعات السياحية. أعلنت مديرية الأمن بشمال سيناء عن مقتل 30 شخص من المطلوبين أمنيا والهاربين في جبل المغارة وجبل الحلال (المأوى التاريخي للمطاريد من تجار المخدرات والسلاح بوسط سيناء، والمكان الذي تحول بعد تفجيرات طابا إلى ملجأ للهاربين من تهم الإرهاب) على إثر مداهمات واشتباكات أمنية حتى تاريخ مايو 2006. أما بالنسبة للأحكام الصادرة غيابيا فحدث ولا حرج، حيث أن الثلاث قبائل وهم– السواركة وطرابين والتياهة– تطالب بإعادة محاكمة 200 شخص، بالاعتقال العشوائي وتوسيع دائرة الاشتباه. تلك السياسة التي أسفرت عن إلقاء القبض على 3000 شخص ما بعد تفجيرات طابا في أكتوبر 2004[14].

وعلى الرغم من قيام العديد من البدو بمعاونة أجهزة الشرطة في القضاء على أعضاء تنظيم التوحيد والجهاد الذي تقول الشرطة أنه نفذ التفجيرات وكانت جميع عناصره مختبأة بجبل الحلال، إلا أن التوتر زاد بين الجانبين مع استمرار مداهمات الشرطة للمنازل وتنفيذ العديد من حملات الاعتقال ضدهم إلى حد وصف وفد تقصي الحقائق المكون من منظمات حقوق الإنسان بأن العريش أصبحت مدينة بدون رجال (إشارة إلى التوسع في الاعتقال ليشمل معظم رجالات المدينة)[15]

  1. تداعيات الاحتجاج المطلبي في سيناء: نموذج قضية مسعد أبو فجر:

«ودنا نعيش» أول حركة سياسية تطالب بحقوق البدو، وقد أسس الحركة الناشط السياسي البدوي مسعد أبو فجر، الذي ينتمي إلي قبيلة الرميلات، والذي تم اعتقاله لنحو 3 سنوات، ورفضت الشرطة الإفراج عنه، على الرغم من حصوله على أكثر من حكم قضائي بإطلاق سراحه.

تأسست الحركة في عام 2007، وتمكنت من تنظيم العديد من المسيرات والمظاهرات الاحتجاجية، كما أصدرت العديد من البيانات التي حددت مطالب البدو الخاصة بالإفراج عن المعتقلين وتحسين أحوالهم المعيشية. ورفعت الحركة شعار «ودنا نعيش» والذي ترجمته مجموعة من أبناء سيناء لمدونة تحمل الاسم نفسه، ملخصة مشاكل بدو سيناء في قولها «حراس بوابة مصر من الشرق، لذلك يستحقون من أجهزة الشرطة أن تعاملهم حسب عاداتهم وتقاليدهم».

وانتهت المدونة إلى أن مشاكل أهل سيناء تتلخص في ست نقاط، هي الإفراج عن أبنائهم المعتقلين دون ذنب، تحويل ضباط الداخلية الذين قتلوا أبناءهم إلى محكمة عاجلة، مراجعة الأحكام الغيابية الملفقة. ولم تتوقف مدونة «ودنا نعيش» عند مشكلات أهل سيناء، بل توسعت لتناقش هموم الوطن، مطالبة بالتضامن مع عمال غزل المحلة وكذلك الصحفيين. وبالقبض على مسعد أبو فجر لم يتبق من الحركة سوى مدونتها على الإنترنت التي مازالت تهتم بأخبار البدو.

ومسعد سليمان حسن أبو فجر موظف بهيئة قناة السويس وأديب ـ متزوج ولديه طفلة، ألقي القبض عليه في 26-12-2007 بمحل إقامته بالإسماعيلية وتم التحقيق معه بالنيابة العامة بالعريش ووجهت إليه اتهامات في القضية رقم 1538 لسنة 2007- إداري رفح، وهي القضية التي تم حصرها في اتهام بالاشتراك مع آخرين بإحراز وترويج مطبوعات تحمل تحريضاً على مقاومة السلطات، والتجمهر، واستخدام القوة ضد موظفين عموميين.

وتم عرض أبو فجر على محكمة العريش التي قضت بإخلاء سبيله، ثم قضية أخرى بعدها بيومين برقم 1925 لسنة 2007 حيث تم توجيه اتهامات أخرى له تتضمن تدبير تجمهر وإحراز سلاح ناري وذخيرة وقيادة سيارة بدون لوحات وقد انتهت القضية بإخلاء سبيله بقرارات من محكمة العريش الجزئية. وقامت بعدها وزارة الداخلية بإصدار قرارات اعتقال متوالية لهما في التفاف صارخ على أحكام نهائية وواجبة النفاذ.

وصدر في حق مسعد أبو فجر 16 أمر اعتقال على مدار عامين وذلك رغم حصوله على 15 حكماً قضائياً بالإفراج عنه، بالإضافة لحكم تاريخي من محكمة القضاء الإداري في 16-6-2009 يلزم وزارة الداخلية بالإفراج الفوري عنه. وقدم النائب حمدي حسن بالبرلمان طلبا لرئيس مجلس الشعب يطالب بالإفراج عن أبو فجر، مؤكداً أن المطالبة بحقوق بدو سيناء ليست جريمة ومثلها المطالبة بتطوير وتنمية سيناء وتسجيل هذه المطالب وإعلانها في مدونة أو محاضرة أو كتاب لا يعاقب عليها القانون فلماذا يتم تطبيق قانون الطوارئ علي أبو فجر.

وطالبت منظمتا «هيومان رايتس ووتش» ومنظمة «العفو الدولية» والعشرات من المنظمات المصرية الحكومة المصرية بالوفاء بوعدها بالإفراج عن المعتقلين الذين لم يعد من الممكن احتجازهم بعد تعديل حالة الطوارئ، وبعد وعد الحكومة بالإفراج عن كل المعتقلين مع بداية يونيو الماضي.

وقالت المنظمة إنه «على الحكومة أن تثبت أن وعدها بتضييق نطاق تطبيق قانون الطوارئ ليس مجرد كلمات جوفاء وأن تبدأ فوراً في إخلاء سبيل كل شخص معتقل لأسباب بخلاف الإرهاب والمخدرات.. العالم كله يترقب».

وتعرض أبو فجر لمعاملة غير آدمية، حيث فصلت إدارة السجن بينه وبين شقيقه أحمد أبو فجر الذي انتقل لسجن الغربانيات، واحتجازه – أبو فجر – في سجن مشدد يودع فيه أصحاب الأحكام القضائية المشددة، وتسكينه في زنزانة واحدة مع تسعة مساجين صادرة ضدهم أحكام في قضايا جنائية.

كما منعت إدارة السجن أبو فجر من التعامل مع أي شخص غير الذين اختارتهم الإدارة له ومنعه من رؤية الشمس إلا دقائق معدودة حين تزوره أسرته. وقطع أبو فجر  ما يزيد على 20 ألف كم في صناديق سيارات الترحيلات مقيد اليدين حينما يتم نقله من معتقل لآخر، وقضى أكثر من ثلاثين يوما في الحبس الانفرادي في قسم أول العريش قبل أن يستقر في ليمان أبي زعبل[16]. إلى أن تم الإفراج عنه في تاريخ 13-7 -2010 بعد الضغوط التي تعرضت لها وزارة الداخلية بعد تعديل قانون الطوارئ في مايو 2010[17]

رابعا: سيناء بين مطالب أهلها والرؤية الأمنية:[18]

الاحتجاجات المتوالية لأهالي سيناء منذ 2004 وحتى الآن تركزت على مجموعة مطالب يمكن رصدها في مجموعة من المطالب المتعلقة:

1-    المعاملة الأمنية:

– وقف حملات المداهمة الأمنية من قبل وزارة الداخلية ورفع الحصار الأمني عن القرى والتجمعات البدوية.

– إعادة النظر في الأحكام الغيابية الملفقة الصادرة ضد الكثير من البدو.

– الإفراج عن معتقلي سيناء وعلى رأسهم مسعد أبو فجر ويحيى أبو نصيرة وإبراهيم العرجاني.

–  تقديم رجال الشرطة المتهمين بقتل أبناء البدو للمحاكمة.

– تحسين معاملة أبناء سيناء من قبل الشرطة خاصة في الكمائن.

–  نقل ملف البدو من يد وزارة الداخلية إلي جهات سيادية أخرى.

2-    مطالب تنموية:

–        وضع القرى والتجمعات البدوية في خطط التنمية.

–          وضع خطة للتنمية يشترك في إعدادها أبناء سيناء لتتواءم وثقافة أهل سيناء وتضع في حسابها التركيبة الطبيعية والأيكولوجية للمكان.

3-    حقوق المواطنة:

–        إعادة الاعتبار لمشايخ قبائلنا وإتاحة الفرصة لنا لانتخابهم انتخاباً حراً ومباشراً وليس عبر تعيينهم من قبل الأمن.

–        جعل الأولوية للوظائف بالمشاريع الجديدة لأبناء سيناء.

4-    ملكية الأراضي:

– تسوية مشكلة تمليك الأراضي للساكن في سيناء

وكما يظهر مما سبق أن معظم المشكلات هي المشكلة الأمنية و هو ما يعكس أن أسلوب التعامل الأمني مع سكان سيناء هو أساس حالة الاحتقان.

على الجانب الآخر نجد أن الحكومة تطرح عدد من المخاطر الأمنية وتتمثل في[19]:

1-    مشكلات التهريب والأنفاق:

–        مشكلة الأنفاق في مدينة رفح وتهريب البضائع وغيرها وما يمثله ذلك من تأثير على الاقتصاد القومي خاصة لطبيعتها الحدودية

–        تخصص الخارجون عن القانون في تهريب الأجنبيات والمخدرات والسجائر والتبغ والأسلحة إلى إسرائيل

2-    الطابع القبلي:

–        حدوث فقدان ثقة بين المواطنين وشيوخ القبائل

3-    مساحات الخروج على القانون:

–        ضعف التواجد الأمني في بعض الفترات تحديدا في منطقة وسط سيناء أدى إلى التعاون بين المتطرفين دينيا والخارجين عن القانون  نظرا لوعورة المنطقة واتساع مساحتها

–        قلة الإمكانيات الأمنية معدات وأفراد مقارنة بمساحة سيناء وكذلك أسلوب توزيع القوات

–        انتشار ظاهرة السيارات بدون  لوحات والأراضي المزروعة بدون ملاك

4-    وجود تدخلات أجنبية:

–   وجود دور خفي لبعض العناصر الأجنبية وتأثيرها على بعض العناصر الموجودة (الامتداد الطبيعي  للعائلات)

الآليات الأمنية للتعامل مع الوضع في سيناء[20]:

–   تشديد الرقابة الأمنية على مدينة رفح وذلك من خلال التواجد الأمني المكثف وإغلاق جميع الفتحات المؤدية إلى الطريق الرئيسي لمدينة رفح

–   فرض قيود أمنية بالتنسيق مع جميع العناصر الأمنية العاملة في المنطقة الحدودية خلال الفترات المسائية من الثانية عشر مساءا

–   تفعيل قرارات رئيس أركان القوات المسلحة بالتعامل مع المنازل والمزارع التي يتم اكتشاف أنفاق فيها

–   تؤول المنطقة الحدودية بالكامل إلى القوات المسلحة ولا يسمح بالدخول فيها إلا بتصريح محدد بتوقيت لأغراض الزراعة

–   فرض السيطرة الأمنية على منطقة رفح من خلال معسكر الأمن المركزي في منطقة الأحراش

–   إنشاء معسكر أمن مركزي في منطقة أبو عجيلة للسيطرة على المنطقة تحديدا الطريق الموصل إلى منفذ العوجة

–   إعادة التمركز للقوات ورفع القدرات التسليحية وتوفير دعم جوي لمجابهة اتساع المواجهة وتواجد التجمعات السكانية في شكل جزر منعزلة

–   وضع تخطيط عملي مزود بأجهزة حديثة لإمكانية التوصل إلى العناصر الخارجة عن القانون وخاصة في منطقة وسط سيناء لتشجيع الاستثمار

–   وضع منظومة أمنية على المعابر والأنفاق والكباري إلى سيناء بما يضمن تحقيق البعد الأمني والجنائي أثناء العبور من وإلى سيناء وذلك باستخدام أجهزة الكشف المتطورة

هذه الإستراتيجيات الأمنية المنفصلة تماما عن التعامل مع مطلب أبناء سيناء توحي بغياب أي نوع من التواصل والتفاوض بين الطرفين، إلا أن المعلومات التي تؤكد وجود اتصال مع رؤساء القبائل والقيادات الأمنية يشير إلى احتمالين آخرين، الأول هو أن رؤساء القبائل الذين يتعامل معهم الأمن لا يمثلون أهلهم عن حق ولا ينقلون مطالبهم، أو أن الأمن يتجاهل هذه المطالب ولا يأخذها في الاعتبار، وهو ما قاد إلى ارتفاع وتيرة المواجهات بين الطرفين في نهايات 2009 واستمرت خلال العام 2010.

ففي نوفمبر من عام 2009  تعرض11 شرطيا للإصابة في اشتباكات وقعت في منطقة قريبة من الحدود بين مصر وقطاع غزة مع عشرات من بدو سيناء كانوا يحتجون على مداهمة قوات الأمن لمخزن أسمنت. قوات الشرطة داهمت مخزنا يوجد به 200 طن من الأسمنت كانت معدة للتهريب إلى قطاع غزة وأثناء عودتها من مهمتها فوجئت بمسلحين كانوا مختبئين وسط الزراعات وبدءوا  في إطلاق أعيرة نارية في الهواء ورشق السيارات بالحجارة. وقام مسلحين آخرين يستقلون دراجات نارية قاموا بمحاصرة قوات الشرطة وأشعلوا إطارات سيارات لمنعها من مواصلة السير. قوات الأمن أطلقت القنابل المسيلة للدموع لتفريق البدو إلا أن المحتجين ظلوا يحاصرون قافلة الشرطة لمدة 5 ساعات إلى أن تدخل عدد من مشايخ البدو وتم إقناع المحتجين بمغادرة المنطقة[21].

في فبراير 2010 تظاهرت العشرات من نساء بدو سيناء أمام مديرية أمن شمال سيناء مطالبات بالإفراج عن أقاربهن الذين قالوا إنهم محتجزون دون محاكمة بعد تفجيرات وقعت في شبه جزيرة سيناء من 2004 إلى 2006.

واعتقلت السلطات آلاف الشبان على صلة بتفجيرات وقعت في منتجعات سياحية في سيناء أدت إلى مقتل أكثر من 100 شخص.
وألقت الجهات الأمنية باللائمة في هذه الهجمات على بدو لهم معتقدات إسلامية. وقالت إحدى المتظاهرات إن ما بين 40 و50 امرأة تجمعن بصحبة أطفالهن أمام مديرية أمن شمال سيناء مطالبين بالإفراج عن ذويهم أو محاكمتهم محاكمة عادلة.

أما في ابريل من نفس العام فقد صدر عن الإذاعة الهولندية أن بدو سيناء يتسببون في”مشكلات من بينها تهريب السلاح والإتجار بالبشر وبيع الأطفال وتجارة المخدرات”، لافتة إلى أنه “من حين إلى آخر يتبادل رجال هذه القبائل النار مع رجال الأمن”، وأضافت: “بدو سيناء يعيشون حياة مهمشة لا أحد يدري بهم ومحرومون من معظم المرافق والخدمات العامة، وهو ما وصفه النائب صابر عشماوي ،عضو مجلس الشعب، بأنه محاوله لتشويه صورة البدو ووصفهم بصفات ليست فيهم.

وقال: “الهدف من ذلك هو خلق فتنة بين أبناء مصر من خلال مخطط نعرف أن وراءه إسرائيل لأنها المستفيدة الوحيدة من بث التوتر بين البدو والأمن”، وطالب عشماوي الخارجية المصرية بإصدار بيان عاجل تدين من خلاله التقرير.

وقال علي عطوة عضو مجلس الشعب: “ما حدث بين البدو والأمن لا يتعدى كونه حالات فردية، فالبدو أعانوا الأمن على القبض على مرتكبي تفجيرات نويبع ودهب وشرم الشيخ ويساعدون في الحفاظ على أمن مصر من محاولات التسلل، وليس كما يتردد أنهم يساعدون في تهريب الأجانب لإسرائيل”، وأضاف :”الحكومة مطالبة بتقنين أوضاع البدو، ومدهم بكل وسائل الحياة من مرافق وخدمات ووظائف”، وانتقد “تقاعس بعض الجهات في حل مشاكل أبناء سيناء”.[22]

شهد شهر يونيو من عام 2010 العديد من المواجهات الأمنية حيث أصيب سائق شاحنة وتباع نتيجة لإطلاق نار عشوائي على الشاحنات المتجهة إلى منفذ العوجة البري بوسط سيناء. وأكد مصدر أمني أن عشرات من بدو المنطقة تجمهروا على الطريق الدولي الموصل إلى منفذ العوجة البري؛ وذلك احتجاجا على حملة أمنية لضبط الهاربين، حيث قطعوا الطريق وأطلقوا النار عشوائيا على الشاحنات المتجهة إلى منفذ العوجة؛ مما أدى إلى إصابة كل من: سيد سيد محمد (سائق إحدى الشاحنات) الذي أصيب بطلق ناري في ذراعه الأيسر، وسامح محمد سليمان (تباع) الذي أصيب بطلق ناري في ذراعه الأيمن. وأضاف المصدر الأمني أنه تم توجيه مجموعة من قوات الشرطة إلى المنطقة، حيث تم مطاردة المتجمهرين الذين فروا هاربين وسط الجبال، وتم إعادة الحركة إلى الطريق، فيما واصلت الشاحنات طريقها إلى منفذ العوجة البري بوسط سيناء، وتم نقل المصابين إلى مستشفى العريش العام للعلاج.[23]

هذا بينما نفذت مجموعة من بدو سيناء هجوما ضد 7 شاحنات للبضائع كانت على منفذ العوجة، في طريقها إلى إسرائيل، ليفتح هذا الملف بكل ما له من تأثيرات واضحة على الأمن القومي المصري. قال مصدر أمني أن هذا الهجوم يأتي رداً على مداهمة الشرطة في وقت سابق من أمس بحملة لتفتيش المنازل بحثا عن هاربين من العدالة، وأكد أن “عشرات المسلحين يستقلون شاحنات صغيرة وعربات الدفع الرباعي قطعوا الطريق الدولي المؤدي إلى معبر العوجة (المؤدي إلى إسرائيل) وقاموا بإطلاق الرصاص بشكل عشوائي على 7 شاحنات كانت في طريقها لإسرائيل عبر المعبر مما أسفر عن إصابة سائق ومساعد له”. وتشير إحدى الراويات إلى أن وراء هذا الحادث شخص يدعى سالم لافي، الذي تصنفه السلطات الأمنية في سيناء بمرتبة “العدو الأول” أو “المطلوب رقم واحد “للشرطة المصرية، هذا الشخص هارب من قبضة الأمن منذ فبراير الماضي، بعد هجوم مسلح نفذه عدد من أتباعه على سيارة للشرطة، حيث قتل في الهجوم ضابط شرطة ومجند وأصيب اثنان آخران. فيما أشارت مصادر أمنية أخرى، عن استمرار الاشتباكات المتقطعة بين الجانبين، كان يُسمع فيها صوت تبادل إطلاق النار من حين إلى آخر.

في المقابل، حمل بدو سيناء الشرطة مسئولية ما حدث، حيث تحدثوا عن تجاوزات شابت الحملة الأمنية للقبض على لافي وعصابة من الهاربين من تنفيذ أحكام القانون، وذكر شهود إن العربات المصفحة حاصرت قرى بدوية وأطلقت الرصاص عشوائياً على منازل من بنادق متوسطة وخفيفة ورشاشات ثقيلة من عيار ٢٥٠ مم وقذائف أر بي جى، وهو الهجوم الذي لم يوقع ضحايا، لكنه قتل الماشية وأتلف خزانات المياه ـ بحسب الشهود[24]

تم إيقاف العمل في معبر العوجة التجاري مع إسرائيل بعد قيام عدد من بدو سيناء المسلحين بمهاجمة المعبر احتجاجا على حملة مداهمات أمنية أسفرت عن اعتقال عدد من النساء البدويات. وقال مصدر أمني “توقف العمل في معبر العوجة التجاري بعد هجوم مسلح من قبل عناصر بدوية في سيناء، أعطبوا فيه عددا من مدرعات الشرطة”. وأكد المصدر أن حملة أمنية بدأت للقبض على الهاربين والخارجين على القانون في سيناء، لافتا إلى أن الحملة ستتواصل لحين القبض على جميع المطلوبين. وأفاد شهود عيان بأن اشتباكات اندلعت بين الشرطة وبدو سيناء في منطقة وادي العمر بوسط سيناء اليوم إثر مداهمات الشرطة لمنازل البدو في القرية واعتقال عدد من النساء. وقال شهود عيان: “هاجم عدد من البدو المسلحين معبر العوجة التجاري بين مصر وإسرائيل واشتبكوا مع الشرطة، وأدت الاشتباكات لوقوع عدة إصابات بين الطرفين”.

من جانبه أكد موسى الدلح أحد زعماء البدو في اتصال هاتفي مع جريدة الشروق أن الشرطة داهمت عددا من منازل البدو اليوم وأخذت مجموعة من النساء البدويات[25] .إثر ذلك واصلت قوات الأمن في شمال سيناء، عملياتها في المناطق المتاخمة لمنفذ العوجة البري، سعيا وراء من سمتهم «مطلوبين أمنيا». وعززت الشرطة وجودها في المناطق المكشوفة من خط الغاز الدولي الواصل من العريش حتى طابا جنوبا، وهو الخط الذي يوصل الغاز الطبيعي المصري إلى الأردن وإسرائيل، وذلك خشية استهدافه من قبل مسلحين ممن هددوا «بنسفه في حال استمرار مداهمات الشرطة للمنازل في وسط سيناء». وكثفت القوات من توغلها ومحاصرتها لقرى أم شيحان وأم قطف ووادي العمر والطارة وتجمعات صغيرة أخرى طوال نهار أمس، لتنسحب تدريجيا عند الغروب إلى مواقع بعيدة عن مناطق التوتر.

ورغم تعهدات قطعتها أجهزة أمنية بعدم السماح لقوات الشرطة بمداهمة المنازل، شهدت بعض المناطق اقتحام عدد من المنازل في وادي العمر، ما أدى لوقوع اشتباكات بين مسلحين والشرطة، أسفرت عن عرقلة العمل في منفذ العوجة تماما بعد أن رد المسلحون بقطع الطريق واستهدفوا شاحنات كانت في طريقها إلى المعبر، المؤدي إلى إسرائيل.

ولجأ الأمن في هذه المواجهة لاستخدام شائعات حول مطالب أهل سيناء من الادعاء بأنهم يطلبون العودة إلى السيادة الإسرائيلية أو تدويل سيناء ولقد نفى موسى الدلح أحد قيادات منطقة وادي العمر، ما تردد عن «مطلب يتبناه الأهالي في قرى وادي العمر ومحيطها عن تدويل قضية سيناء». وأكد الدلح في اتصال هاتفي مع «الشروق» في 28 يونيو 2010 أن هذه «شائعات مغرضة هدفها تقليب قيادات الدولة ضد الأهالي في سيناء لتبرير استخدام القوة المفرطة في وسط سيناء».
مشيرا إلى أن «وطنية أبناء القبائل ليست محلا للمزايدة ولن يتنازلوا عن هويتهم تحت أي ظروف»، وشدد على أن «احتجاز سيدات كرهائن من قبل قوات الشرطة ينهي أي اتفاقات ويجعل المواجهة مفتوحة، بعدما احتجزت مباحث أمن الدولة بالجيزة سيدات وكبار سن ممن يمتون بصلات إلى المطلوبين أمنيا».[26]

 بعد ذلك تظاهر آلاف البدو في شبه جزيرة سيناء احتجاجا على سوء معاملة الشرطة المصرية وتصريحات نعتتهم بالخارجين على القانون، على حد قولهم. وجابت مسيرة ضخمة قرى المهدية والبرث ومناطق السواركة والترابين ووادي العمر وأم قطف وأم شيحان في وسط وشمال سيناء احتجاجا على تصريحات نسبت لمحافظ شمال سيناء اللواء مراد موافي اتهم فيها بدو سيناء بالخارجين على القانون، وكذلك سوء المعاملة من الشرطة المصرية.

وشوهدت عشرات السيارات وهي تحمل آلاف البدو وتسير في مسيرة سلمية كبرى في الطرق الرئيسية المؤدية إلى وسط وشمال سيناء.

وقال موسى الدلح إن المسيرة السلمية تأتي احتجاجا على تصريحات محافظ شمال سيناء التي وصف فيها البدو بالخارجين على القانون وغير الشرعيين بالإضافة إلى انتهاء اجتماع مشايخ قبائل سيناء مع كبار المسئولين في وزارة الداخلية بالقاهرة بدون أي فائدة تذكر وبدون حل لمشاكل وطلبات أبناء سيناء. وطالب الدلح بتغيير المشايخ الذين وصفهم بالحكوميين وقال إنهم لا يعبرون عن مطالب قبائلهم، كما طالب بأن يأتي شيخ القبيلة بالانتخاب الحر المباشر وفقا لرغبة جميع أفراد القبيلة وليس بالتعيين حتى لا يكون ولاءه للأجهزة الأمنية، على حد قوله[27]

ردا على هذه التوترات التقى  وزير الداخلية شيوخ قبائل في شمال سيناء ونوابا في مجلسي الشعب والشورى من أبناء المحافظة، في مقر وزارة الداخلية في القاهرة، لبحث «الأوضاع المتدهورة بين قوات الشرطة وأبناء القبائل، ممن تطاردهم الشرطة بدعوى أنهم من المطلوبين أمنيا». وشهدت مناطق في شمال سيناء عمليات تمشيط واسعة، خلال هذه الفترة، استخدمت خلالها الشرطة المدرعات، في مواجهة عناصر من البدو «يشتبه في تفجيرهم خط الغاز الدولي». وساد الهدوء أمس، مناطق وسط سيناء لليوم الثاني على التوالي بعد انسحاب قوات الشرطة ومصفحاتها نحو العريش.

 استمرت التعزيزات الأمنية في الوصول من القاهرة إلى العريش، وإن اتسمت تحركاتها بالهدوء، دون أن يغادر كبار الضباط المرافقين للقوات مقر إقامتهم بأحد فنادق العريش الفاخرة «انتظارا لصدور تعليمات جديدة بمواصلة الحملة الأمنية الموسعة التي تشارك فيها مديريات أمن القناة والقاهرة، مستعينة بنوعيات أسلحة متوسطة وخفيفة ذات تقنية عالية» حسبما أفاد مصدر أمنى.
وعلى الرغم من تحرير بلاغ بواقعة تفجير خط الغاز الدولي (حمل رقم 2682 أدارى أول العريش) فإن اللواء مراد موافي، محافظ شمال سيناء، نفي وقوع الحادث. وكانت مصادر أمنية مصرية قد نفت حدوث أي انفجار في أنبوب الغاز. لكنها أكدت لوكالة الأنباء الألمانية «حدوث محاولة» لتفجير الخط، حيث تم العثور في منطقة الحفن، على مسافة عشرة كيلومترات جنوب العريش، على مادة (تى. إن. تى) شديدة الانفجار من مخلفات الحروب في المنطقة أسفل جزء كان انكشف من الأنبوب بفعل السيول السابقة. كما أكدت المصادر أنه تم اكتشاف هذه المتفجرات قبل أن تنفجر.

وأعيد افتتاح معبر العوجة التجاري مع إسرائيل بعد أن أغلقته السلطات المصرية لمدة يومين عقب قيام عدد من بدو سيناء المسلحين بمهاجمة المعبر احتجاجا على حملة مداهمات أمنية أسفرت عن اعتقال عدد من البدويات، بحسب تأكيد نفس المصادر .

وقامت محافظتي السويس والبحر الأحمر، وضعت «خطة أمنية شاملة لحماية خطوط البترول الرئيسية من الهجمات التي قد يشنها أبناء القبائل البدوية المقيمون في منطقة جبلي عتاقة والزعفرانة بالسويس»، حسبما أفاد مصدر أمني[28]

في بداية الشهر التالي مباشرة عقد أبناء القبائل في شمال سيناء مؤتمرهم  وسط حصار من مدرعات الشرطة التي طوقت قرى وادي العمر وأم شيحان والبرث والجورة والطارة. واقتصر المؤتمر على عدد محدود من المشاركين، بينهم بعض أبناء قبيلتي الرميلات والترابين. وأمام لافتتين حملتا عبارات «ضد الأحكام الغيابية والدعوة للإفراج عن المعتقلين»، تلا موسى الدلح أحد منظمي المؤتمر، البيان الختامي للمؤتمر، والذي حمل «مطالب البدو».

وشملت المطالب أن:« تتولى ملفات البدو في سيناء جهات أخرى غير الداخلية، نظرا لفقدها المصداقية والثقة، ووقف حملات المداهمة ورفع الحصار الأمني عن القرى والتجمعات البدوية، والإفراج عن جميع المعتقلين من أبناء سيناء ومنهم مسعد أبو فجر، ويحيى أبو نصيرة، وعيسى المنيعي، وإبراهيم العرجاني، وآخرن، والتحقيق في الأحكام الغيابية الملفقة وإعادة النظر فيها، وتقديم ضباط الشرطة المتهمين بقتل أبناء سيناء لمحاكمات عادلة، ووضع القرى والتجمعات البدوية وخاصة الحدودية في خطط تنموية، وتحسين معاملة أبناء سيناء عند مداخل المدن وكوبري السلام ونفق الشهيد أحمد حمدي».

على جانب آخر، نشرت جريدة الشروق عن مصدر أمنى أن تعليمات صدرت من وزير الداخلية، عقب لقائه مع شيوخ القبائل في شمال سيناء، «أكد خلالها ضرورة تغيير المعاملة مع شيوخ القبائل البدوية وأبناء قبائلهم والامتناع عن توقيفهم بالنفق لساعات أو فترات طويلة». وشدد على «عدم حدوث أي احتكاك خلال الفترة الحالية بين الضباط وأبناء القبائل البدوية المترددين على النفق، مع حتمية التعامل باحترام مع شيوخ وعقائل القبائل البدوية، وأن يتعامل أبناء بدو سيناء مثلهم مثل أي مواطن يمر بالنفق دون إشعاره بأنه مستهدف أو أن هناك تعليمات بالتضييق عليه تحت أي شكل من الأشكال».

ومنذ الساعات الأولى من صباح  يوم المؤتمر، أغلقت قوات الأمن جميع الطرق المؤدية إلى مقر المؤتمر في جنوب مدينة رفح ونشرت المدرعات عند مداخل الطرق المؤدية لمنطقة انعقاده في قرية المهدية (5 كيلومترات جنوب مدينة رفح)
وقال موسى الدلح إن مدرعات الداخلية «انتشرت أيضا عند مداخل قرى وسط سيناء، وكثفت الشرطة من وجودها عند كوبري السلام بمدخل المحافظة غربا لمنع وسائل الإعلام المصرية والأجنبية من الوصول إلى العريش لحضور المؤتمر».[29]

وقبل أن تلوح في الأفق بوادر انفراج الأزمة أكد بعض شيوخ القبائل البدوية بالإسماعيلية والسويس أن المواجهات بين وزارة الداخلية وبعض أبناء القبائل بسيناء لم تقتصر على شبه جزيرة سيناء بل انتقلت إلى الضفة الشرقية لقناة السويس، بعد فرض عقوبات جماعية على أبناء القبائل البدوية خاصة أولاد عمومة سالم أبو لافى المطلوب أمنيا، والقبائل التي تسانده من خلال منعهم من مزاولة أعمالهم في حراسة الشركات. ومن هذه المواجهات المطاردة المفتوحة لأبناء القبائل المطلوبين بالضفة الشرقية خاصة بمنطقة القنطرة شرق والمناطق الصحراوية المجاورة لنفق الشهيد أحمد حمدي.

أعلنت مصادر أمنية أنه تم الإفراج عن 7 معتقلين من البدو، في بادرة لتحسين العلاقات المتوترة بين البدو والحكومة[30]

لكن لم تمر أيام و صعدت أجهزة الأمن من إجراءاتها بحثا عن المطلوبين من أبناء قبائل سيناء حيث شهدت منافذ وأكمنة جنوب سيناء حالة تأهب قصوى، وتم فحص البطاقات الشخصية لكل الركاب الذاهبين إلى سيناء عبر نفق الشهيد أحمد حمدي وفحصها عن طريق الكمبيوتر بحثا عن المطلوبين الأمنيين من أبناء بدو سيناء. وقال مصدر أمني «هذه تعليمات عليا لضبط بعض العناصر المطلوبة أمنيا وجنائيا، والتي تتنقل بين السويس وسيناء باستمرار للهروب لدى أقاربهم». ولم يقتصر الأمر على نفق الشهيد أحمد حمدي بل شهد كمين عيون موسى نفس الإجراءات الأمنية المشددة، وتم ترحيل بعض القادمين إلى سيناء، ولم يسمح بدخولهم إلى المحافظة. وتم إيقاف بعض طلاب الجامعة الأمريكية، يحملون جنسيات سودانية وتشادية، كانوا قادمين إلى مدينة شرم الشيخ لعدم وجود جواز سفر لديهم مما اضطر الأمن إلى توقيفهم بضع ساعات للتأكد من هويتهم. وامتدادا للحملة الأمنية الموسعة بحثا عن المطلوبين تم تمشيط طريق القاهرة ـ السويس انطلاقا من نقطة تفتيش الكيلو 4.5، وقام الأمن بفرض العديد من الأكمنة على الطريق وتوقيف أعداد كبيرة من أبناء القبائل البدوية، وهدم عدد من العشش، التي يستخدمها أبناء البدو في إصلاح السيارات على الطريق، وبيع الفاكهة.[31]

في نفس الأسبوع ضبطت الأجهزة الأمنية في مدينة رفح مخزنا سريا للمتفجرات والقذائف من مخلفات الحروب بجوار المنطقة الحدودية المشتركة مع قطاع غزة، وذلك في الوقت الذي نظم فيه عدد من شيوخ القبائل ونواب مجلس الشعب مؤتمرا في مدينة العريش لتوجيه الشكر إلى اللواء حبيب العادلى، وزير الداخلية، على لقائه بهم ومبادرة فك الاحتقان في شمال سيناء ووسطها، وجددوا طلبهم بالإفراج عن المعتقلين من أبناء سيناء في السجون، وقاموا، على هامش المؤتمر، بتسجيل أسماء ذويهم المعتقلين آملين بأن تشملهم قرارات الإفراج. وتزامن ذلك مع ما كشفه المركز المصري للحماية القانونية بسيناء ومدن القناة، من أن وزارة الداخلية رفضت السماح لمراكز حقوقية وجمعيات مجتمع مدني، بمساعدة 60 ألفا من بدو جنوب ووسط سيناء والمقيمين في شرق قناة السويس باستخراج بطاقات شخصية لهم وشهادات ميلاد ووثائق ومستندات تدل على هويتهم، وذلك في الوقت الذي لا تزال فيه عمليات تمشيط المنطقة الجبلية في وسط سيناء خاصة سدر الحيطان، مستمرة لحين صدور تعليمات أخرى، طبقا لما كشفته مصادر أمنية. وقالت المصادر، التي فضلت عدم الكشف عن هويتها، إن حركة التنقلات السنوية لوزارة الداخلية بنهاية الشهر الحالي، ستشهد تغييرات أمنية واسعة تطال قيادات أمنية مهمة بجنوب ووسط سيناء وإحدى مدن قناة السويس، بالإضافة إلى العديد من القيادات الأمنية المشرفة على منافذ سيناء سواء نفق أحمد حمدي أو كوبري السلام بجانب قيادات أمنية أخرى بوسط سيناء، والتي لم تنجح في القبض على عدد كبير من المطلوبين أمنيا بينهم سالم لافى[32]

توالى بعد ذلك الإفراج عن المعتقلين حيث أعلن مصدر أمني رفيع المستوى الإفراج عن 15 معتقلا سيناويا، وفقا للاتفاق المبرم بين وزير الداخلية وشيوخ بدو شبه جزيرة سيناء في مؤتمر المصالحة الذي عقد بين الطرفين، ثم أفرجت الشرطة المصرية عن الدفعة الثالثة من معتقلي أبناء سيناء وعددهم 20 شخصا. وأطلقت الأجهزة الأمنية سراح المدون السيناوي مسعد أبو فجر، بعد احتجاز استمر عامين و7 شهور منذ نهاية ديسمبر عام 2007. وتم الإفراج عن 13 معتقلا من أبناء بدو سيناء، حيث تم إطلاق صراحهم من مديرية شمال سيناء، وكان في استقبالهم كبار شيوخ القبائل والعشائر السيناوية، وأخيرا تم الإفراج عن 20 معتقلا ثم 16 آخرين في خلال أيام.[33]

قال مصدر أمني إن أجهزة الأمن بدأت فتح الملفات المغلقة لعدد من زعماء القبائل في سيناء التي أعدتها تحريات إدارات مباحث الأموال العامة بمدن القناة وسيناء حول تورطهم في قضايا غسيل الأموال عن طريق إنشاء شركات مقاولات والقيام بأنشطة تجارية أخرى بمحافظات القناة وفي مقدمتها السويس، وبلغت استثماراتها أكثر من 500 مليون جنيه.

جاء ذلك في ظل فشل الجهود الرامية إلى ضبط المطلوبين أمنيا في سيناء وتراجع عدد كبير من شيوخ القبائل عن مساعدة وزارة الداخلية في مهمتها. وتشير التحريات إلى أعمال مقاولات يقوم بها رجل أعمال بالسويس مع شريكه أحد أثرياء قبائل وسط سيناء ويتورط معهما عدد من الموظفين بقيامهم بشراء أراض والدخول في المزادات، كما رصدت تحريات أخرى إنشاء معارض سيارات بالسويس ومزارع دواجن بطريق الإسماعيلية وشراء أراض زراعية وأراض جديدة بخليج السويس بغرض الاستثمار السياحي، لغسيل أموال مجهولة المصدر. في الوقت نفسه، استمر الهدوء الحذر يخيم على مناطق وسط سيناء، في حين استمرت تحركات قوات الشرطة حول قرى وادي العمر وأم قطف والعوجة وعند مدينة الحسنة، حسب تصريحات موسى الدلح المتحدث باسم مجموعة أبناء وسط سيناء[34]

إثر ذلك أعلنت مصادر أمنية وقبائلية مصرية أن بدوا مسلحين وملثمين خطفوا حافلة في منطقة صناعية بوسط سيناء بمصر لكنهم أنزلوا ركابها قبل أن يفروا بها. وقال مصدر أمني إن 30 شخصا كانوا في الحافلة التي تتبع شركة أسمنت سيناء وقت خطفها. وذكر مصدر قبائلي أن مشكلة بين سائق الحافلة والخاطفين حول توثيق ملكيتها هي سبب الخطف. وأضاف أنهم يدعون أن لهم حقوقا مالية قبل الأسرة التي ينتمي إليها السائق.  وقال المصدر القبائلي إن لواء شرطة سابق يدعى مصطفى خطاب يعمل مديرا لأمن المصنع كان من بين الركاب.  وأضاف أن الحادث وقع جنوبي مدينة العريش عاصمة محافظة شمال سيناء بنحو 40 كم. وقال المصدر الأمني إن الشرطة كثفت إجراءات الأمن في المنطقة لإلقاء القبض على الخاطفين.[35]

وفي سبتمبر الماضي قرر رئيس مجلس الوزراء أحمد نظيف إنشاء جهاز وطني لتنمية شبه جزيرة سيناء يضم جميع الوزارات والجهات المعنية تكون مهمتها وضع وتنفيذ الخطة الشاملة لتنمية سيناء باعتبارها البوابة الشرقية لمصر، واستغلال الثروات الطبيعية التي تذخر بها، وتطوير أسلوب معيشة بدو سيناء وتحسين الخدمات المقدمة لهم بما يساعدهم على الاستقرار في بيئتهم. جاء ذلك خلال الاجتماع الوزاري الذي عقده الدكتور أحمد نظيف اليوم لتنمية وتطوير سيناء، بحضور وزراء الدفاع والمالية والداخلية والاستثمار والزراعة والسياحة والعدل والري ومحافظ شمال سيناء والوزير عمر سليمان.
كما أكد نظيف أهمية استهداف خطة التنمية الشاملة لسكان سيناء بما يحقق لهم الاستقرار وتطوير حياتهم وتوفير أفضل سبل المعيشة لهم، ومشيرا إلى وجود تجربة رائدة لإنشاء قرية نموذجية في وسط سيناء تحت رعاية سوزان مبارك قرينة رئيس الجمهورية، لتكون نواة لإنشاء 90 قرية مماثلة، وقال إنه تم البدء في تطوير عدد 8 قرى على غرار هذه القرية النموذجية[36]

هذه الإستراتيجية من جانب الدولة في استخدام سياسات العصا والجزرة في التعامل مع أهل سيناء قد تؤدي إلى مرحلة من الهدوء إلا أن هذا الهدوء لن يدوم طويلا إذا ظل هناك تجاهل لمطالب أهل سيناء، وهو المرجح إذا نظرنا إلى مطالب فئات أخرى مثل النوبيين في الجنوب والأقباط، إن وضعية أهالي سيناء لا تختلف عن فئات كثيرة في المجتمع والصورة الكاملة لهذه الفئات تنذر بوضعية شديدة الخطورة على الدولة ككل، فإما أن تتحول هذه المطالب الفئوية إلى حالات احتقان مجتمعي بين فئات المجتمع المختلف كالحالة الطائفية، أو أن تؤدي إلى تطور المطالب إلى مطالب أكثر تشددا يصعب التعامل معها لاحقا.

خامسا:- الوضعية في سيناء والأمن الإنساني:

مفهوم الأمن الإنساني هو نموذج حديث لفهم  نقاط الضعف والتهميش في العالم يتحدى المفهوم التقليدي للأمن القومي ويطرح أن السبيل إلى الأمن هو الفرد وليس الدولة، ولان الأمن الإنساني المبني على أهمية الأشخاص هو هام في الاستقرار على المستويات القومية، الإقليمية والعالمية[37] و بالتالي يتحقق الأمن القومي عبرا الأمن الإنساني.

التحرر من الخوف والتحرر من الحاجة هما العبارات الأساسية التي يقوم عليها اقتراب الأمن الإنساني أو كما يسمى الأمن بوجه إنساني، يركز الأمن الإنساني على العلاقات المعقدة والروابط التي غالبا ما يتم تجاهلها بين نزع السلاح وحقوق الإنسان والتنمية، فالآن كل النقاشات الأمنية تتضمن محور إنساني[38]

أول من استعمل الأمن البشري كمفهوم ذو معنى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لسنة ١٩٩٤  وقد قام التقرير بالتمييز بين سبعة أشكال من الأمن البشري: الاقتصادي والغذائي والصحيّ والبيئي والشخصي والجماعي والسياسي.

تدعو مفوضية الأمن البشري إلى تحقيق الأهداف التالية :

  • اجتناب النزاعات وتدعيم حقوق الإنسان والتنمية: من الواضح  أنّ هناك ارتباط بين العنف والنزاعات من جهة، وبين الفقر وخرق حقوق الإنسان من جهة أخرى.  يجب التعامل مع السلام و احترام حقوق الإنسان

وطيب العيش والتمتع بالحقوق الأساسيّة كقيم جوهوريّة واعتبارها مظهر من مظاهر الضروريات الأخلاقيّة

  • توفير  الحماية والتمكين للأفراد  ومجتمعاتهم  إذ تخصص المجتمعات مواردها لحماية الدولة لكنها لا تتخذ تدابير واضحة لحماية المواطنين.
  • ترسيخ مبادئ وممارسات الديمقراطية
  • توفير الحد الأدنى من مستوى العيش في كل مكان
  • ضمان وصول الجميع إلى العناية الصحية الأساسية
  • توفير التعليم الأساسي للجميع[39]

نموذج التنمية البشرية يربط بين كل من الأمن الإنساني والتكافؤ والاستدامة والنمو والمشاركة، بما أن التنمية تتيح إجراء تقويم لمستوى الأمن الحياتي الذي يحرزه الناس في المجتمع. العلاقة بين الأمن البشري و التنمية علاقة جدلية واضحة، فالتقدم في مجال من هذين المجالين يعزز إحراز تقدم في المجال الآخر. التنمية البشرية مفهوم أوسع نطاقاً حيث تعني عملية توسيع نطاق خيارات الناس على مر الأجيال، أما الأمن فمعناه أن يكون باستطاعة الناس أن يمارسوا اختياراتهم بأمن و حرية. و فشل التنمية البشرية يؤدي إلى تراكمات من الحرمان البشري تأخذ شكل الفقر أو الجوع أو المرض أو تفاوتات مستمرة للوصول إلى الفرص الاقتصادية و العيش عيشة مستقرة آمنة، و هذا بدوره يمكن أن يفضي إلى العنف، و عندما يتصور الناس أن أمنهم المباشر مهدد فإنهم يصبحون عادةً أقل تسامحاً. [40]

ولسنا بحاجة لتكرار ما سبق لتأكيد فشل النظام المصري في ترسيخ هذا المبدأ في سيناء وعدم قدرتها على تحقيق الأمن الإنساني بشقيه التحرر من الخوف بسب المعاملة الأمنية القمعية، أو التحرر من الحاجة نتيجة غياب التنمية لصالح أهالي سيناء، ولم تستطع الارتقاء بالحالة في سيناء لتحويل أهلها إلى مواطنين و إنما ظلوا مهمشين، بل يزيد على ذلك ظلت ثرواتهم مستنزفه لصالح فئات مستفيدة وليس حتى لصالح الدولة ككل. وهو ما يؤكد الإخفاق الكامل للنظام السياسي في التعامل مع هذه البقعة الهامة و الحيوية من مصر.

خاتمة:

معادلة شديدة التعقيد تلك التي تقف سيناء وأهلها في جانب منها، بينما تقف الدولة في الجانب الآخر، بعد أن تكفلت عدة أحداث غير مسئولة في تصاعد الصدام بينهما إلى درجة غير مسبوقة، ثار فيها البدو على الحكومة والأمن وحتى على الشرعية، وقطعوا الطريق الدولي بالقرب من مقر قوات حفظ السلام بمنطقة «الجورة»، قبل أن يلجئوا للاعتصام على حدود إسرائيل احتجاجا على رصاصات الشرطة التي بدأت تتجه إليهم بمناسبة وبدون مناسبة. قد يكون في رؤية كثير من المحللين والمراقبين السياسيين، أن ملف الأقباط في مصر هو الملف الأكثر صعوبة، والأكثر ترشيحا للتفجر، وإثارة المتاعب والتدخل في شئون مصر الداخلية، وذاكرة التاريخ تسعفنا بكثير من الأحداث الدامية  بسبب التوتر الطائفي الذي يؤجج ناره العديد من الأطراف الداخلية والخارجية، لكن عند التدقيق في واقع ملفات الأزمة في مصر نجد أن ملف البدو هو الأكثر خطورة وقابلية للانفجار وإثارة الكثير من المتاعب للحكومة المصرية. الراصد لتاريخ أزمات سيناء مع الدولة يجد تاريخا مفصليا وفارقا في علاقة البدو بالدولة، هو تاريخ تفجيرات «طابا» في 2004، حيث قابلت الداخلية هذا الحادث بعنف غير مسبوق ضد البدو، ووضعت جميع أبناء سيناء في خانة «الجاني» وتعاملت على هذا الأساس[41].

وتجدر الإشارة في النهاية للارتباط الشديد بين الوضعية في سيناء والأمن القومي المصري، فالوجود الإسرائيلي على حدودنا الشرقية سيظل مصدرا للتوتر في هذه المنطقة، لكن يجب أن نسال أنفسنا السؤال الصحيح حتى نصل للإجابة الصحيحة وهو كيف نحمي أمننا في سيناء عن طريق المواطنين المصريين الذين يسكنون سيناء بدلا من السؤال كيف نحمي أمن مصر من أخطار بدو سيناء؟

وقد يكون للحكومة مخاوف أمنية مشروعة في سيناء، وقد يكون بعض الأهالي يعملون في أعمال مخالفة للقانون وقد يكون الوضع المتوتر على الحدود المصرية الشرقية سببا وجيها للتكثيف الأمني في المنطقة، إلا أن كل ذلك لا يستدعي التعامل مع أهالي سيناء كمواطنين من الدرجة الثانية أو كجواسيس وعملاء محتملين لأطراف خارجية، تارة ما يُدعى إنها إسرائيلية ومرات يدعى إنها تنظيمات فلسطينية متطرفة وأحيانا لتيارات دولية دينية متطرفة. كما لا يبرر ما سبق من غلبة التعامل الأمني مع بدو سيناء على التعامل السياسي الذي يقتضي منحهم كافة الحقوق كمواطنين.

هذه الوضعية تتطلب تضافر جهود أهالي سيناء والحكومة والمجتمع المدني، فأهالي سيناء عليهم خلع رداء البدوية والقبلية، والاندماج في المجتمع بمعناه الحديث، وهذا لا يعني إلغاء القبائل وإنما تطوير المفهوم ليتواكب مع قواعد الدولة المدنية الحديثة وأن يمثل أحد مكوناتها، لا أن يكون وسيلة للخروج على الدولة وقوانينها. وعلى الحكومة التفرقة بين السياسات الأمنية في سيناء واستخدام هذه السياسات تجاه أهالي سيناء، والتعامل مع مطالبهم بجدية وتلبيتها في حدود وأطر القانون وضوابط الأمن القومي، والشروع في تنمية فعلية تصب في صالح الساكن وليس رجال الأعمال الذين يستغلون المنطقة لصالحهم. أما المجتمع المدني فعليه أن يمد أنشطته وصلاته وشبكاته إلى سيناء سواء على مستوى التوعية أو مستوى الحملات الحقوقية التي تكرس حقوق أهالي سيناء كمواطنين لهم كافة الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تنص عليها التشريعات الوطنية والمواثيق الدولية التي تعد مرجعا لهذه المنظمات.

كل ذلك يرتبط بالضرورة بالسياق العام لمصر ككل وأهمية إحداث تطور ديمقراطي حقيقي وإرساء قيم المدنية والمواطنة لتشمل كافة الفئات وكافة المناطق في مصر.


 [1] د. عبد المنعم سعيد،  تقرير جديد عن سيناء،مارس 208،

http://www.metransparent.com/spip.php?page=article&id_article=3546&lang=ar

[3] المرجع السابق

 [6] المرجع  السابق

[7] وســط ســيناء وأمن مصــر القومـي ،  د‏.‏ محمد يحيي دراز، http://www.ahram.org.eg/127/2010/04/05/4/14494.aspx

[8]  رقية حجازي، انتفاضة بدو سيناء تكشف المستور، http://www.e-socialists.net/node/4642

[9]المرجع السابق

[10]المرجع السابق

[14] رقية حجازي، مرجع سابق

[15] تقرير وفد تقصي الحقائق المكون من منظمات حقوق الإنسان، مؤسسة النديم، 2006.

[19] مركز معلومات محافظة شمال سيناء، التوجه الاستراتيجي للدولة لتعمير وتنمية سيناء، ابريل 2009

 المرجع السابق[20] 

[39] الأطر الأخلاقية والمعيارية والتربوية لتدعيم الأمن البشري في الدول العربية، اليونيسكو، 2005، ص 16-17 د. البشير شورو،

[40] مفهوم الأمن الإنساني الجديد.. يحل محل حقوق،  الإنسان عالمياً عبد الرحمن بن عبد الله الصبيحي،

http://www.amanjordan.org/a-news/wmview.php?ArtID=11497

[41] شريف عبد العزيز، البدو اخطر ملفات مصر، http://www.islammemo.cc/Tkarer/Tkareer/2010/07/19/103603.html

 

 

 

Single Post Navigation

أرحب بتعليقاتكم